هذه أول تدوينة تخط هنا منذ 2010، قامت ثورتان، وتقلبت أنظمة، وارتقى قتلى، وسقط أحياء، وتفرق رفقاء، وبانت ناس بانت على أصلها بانت.
المهم، خلينا في الانتخابات..
لا أكتمكم سرًا إن قلت أن هذه التدوينة ستستخدم لتنقية قوائم متابعيّ على شبكات التواصل، زي ما تقول كده ما بحبش الزحمة.
تنقسم مواقف الناس حولي كما أراها على الأقل بين مسيسّين ومحمدنين - إن صحت تلك النسبة - ومقاطعين.. حسنا هذا التقسيم أولا خاطئ، أو على الأقل غير شامل.
لنبدأ مع المقاطع باعتباره موقفا أثيرا للنفس الثورية، التي تأبى الحلول الوسط والمهادنة والطأطأة للريح، وهي فترينة قد تبدو شفافة وبراقة وصادقة. لكن المقاطعة هي - كمقاطعة البضائع مثلا- حالة رفض إيجابي تتخذ فيها موقف المبادرة منفردًا غير معتمد على ذي سلطة، وفي الانتخابات لا تكون المقاطعة -وهو ما بح صوتنا بشأنه طوال الانتخابات الماضية منذ مجلس الشعب حتى تلك الأخيرة- إلا رفضا للتعامل مع النظام نتيجة سقوط شرعيته، وهي مبررة هنا إن اعتبرت 30 يونيو أو 3 يوليو أو ما بعدهما انقلابا وإسقاطا لشرعية متوهم وجودها، وهي فرضية إن لم ينفها دعم الشعب لكل أرقام الأيام هذه فتكفي أن تنفيها حقيقة تزوير انتخابات المرحلة الأولى لصالح ذي البلوفر وذي الجلد التخين ثم تزويرها ثانية لصالح الاستبن الذي نفخنا، ولكن لذلك قصة أخرى وأدلة وشهادات كثيرة يمكن للباحث - الذي مش عارف أصلا ما عرفش الكلام ده لحد دلوقت ازاي - أن يقفو أثرها.
بشكل أكثر مباشرة، إن لم تكن رافضا للشرعية الثورية فلا تقاطع، يمكنك ألا تشارك إن شئت لكن لا بمكن تسمية موقفك مقاطعة، لكن سنتناول ذلك بالحديث فيما بعد.
أما بالنسبة للخيارات المتاحة، فلا أجد صباحي صالحا لقيادة مصر في المزحلة المقبلة، وركز معايا با حاج اعمل معروف، أقول في المرحلة المقبلة التي تشمل بضع سنين تاليات، وهذا - أيضا- ما لم يتخللهن فترة انتقالية جديدة لسبب أو لآخر.
لماذا؟ قلت لي لماذا، وسأخبرك.
قلت في مناسبة سابقة على شبكات التواصل أن الدولة في حالة سيولة، إسهال، مش قادرة تتلم على جتتها، وهو أمر يعرفه الحمديني والسيساوي، وربما يشعر به الأخير أكثر ويعده السبب الأول لاختيار مرشحه.
والدول في المرض كالناس، فما يصلح به سقيمهم لا يصلح به سليمهم، وما يقيم أود صحيحهم قد يؤدي بعليلهم إلى نكسة وتمكين للعلة.
لهذا قلنا أن صباحي يصلح، لكن ليس الآن. النسر لا يقف إلا على جبل أشم، لكنه لن يقوَ على الوقوف على قطعة جيلي.
أما السيسي فكنت أراه -بحق- رجل المرحلة النموذجي، فيما لو كان ظهر في حياتنا فجأة عند فتح باب الترشح، لكن المشكلة أنه ظهر في حياتنا قبل ذلك بكثير، وقال وفعل الكثير.
قد يلجأ أهل الثقة للاستعانة بأهل الخبرة، لكن إن افتقدت الثقة فلن تنفع كل خبرات الدنيا..
والثقة هي مشكلة السيسي معي، ليس لما "فعله" بالإخوان، لأني ببساطة لا أعترف بالهولوكوست الإخواني، وأرى أغلب أحداثه فصولا جديدة تضاف إلى ميثولوجيا الإخوان الاضطهادية التي بدأت منذ ثمانين عاما، ولكن لما لم يفعله، أو لم تفعله الحكومة التي كانت مستقلة نظريا وتحت إشرافه - أو نظره على الأقل- فعليا.
ما فعله السيسي لم يخرج عن العهد الإخواني مع الأنظمة، قمع القواعد مع سجن بعض القيادات في ضيافة خمس نجوم والحفاظ على التنظيم ومصالحه. وهذا ما توقعت أن يفعله السيسي قبلها بشهور!
|
17 مايو 2013 |
وحتى هذه اللحظة لا تزال القيادات تحت الإقامة التدليلية المعتادة، وأغلب القضايا ضدهم مجمدة، وخاصة قضايا التخابر والخيانة العظمى التي ولا شك إن فُتحت هتجيب من الآخر.
ده فيما يتعلق بالإخوان، أما الاقتصاد بقه فكلما فتح الرجل بقه لا نجد عنده إلا الخطاب الاقتصادي المباركي-النظيفي، اللي هو بتاع الفكر الجديد وآخر عشر سنين ده، عندما أيقن النظام أنه وحده على الساحة وبالتالي فلا داعي للاستتار ولا لخوف الرقيب، وعندما غدت البجاحة شعارا وراية، عندنا رجال أعمال بتحكم وغلابة محكومين يمكن عصرهم أكثر للحصول على مزيد من المال، فلنعصر هؤلاء ولنعف إولئك من كل ضريبة والتزام ونسهل هروب من فاحت رائحته فبلغت أنوف بعض بقايا الشرفاء.
وفيما يتعلق بالملف الصهيوني تحدث سيادته عن اتفاقية العار واصفا إياها بأنها
"مستقرة في وجدان" من أسماهم بالمصريين، ومعروف عن جريدة الوطن بأنها إحدى الجرأئد الموالية للسيسي لهذا اعترفت بها مصدرا.
لاحظ في أغلب كتاباتي القليلة عن الانتخابات إني لا أعتمد إلا اﻷخبار المؤكدة والأحاديث المسجلة، لذلك لم أنشر أخبارا كمصادر تمويل مقار حملة السيسي وتوزيع اللمبات الموفرة وغير ذلك، بل أعتمد بالأساس على كلام الرجلين ومواقفهما الثابتة.
***
كان من المفروض أن ينتهي هذا المقال نهاية مفتوحة أعلن فيها عزوفي عن المشاركة بالرغم من رفضي لمبدأ مقاطعة هذه الانتخابات، ورفضي للمقاطعة مبعثه كما قلت اعترافي بنظام 30 يونيو وكل ما أثمره من عمليات انتقالية، عدا ما أسميته "تسمين عجل رابعة" وهو السكوت عن اعتصام رابعة إلى درجة حمايته على مدى ستين يوما حتى إذا تم ذبحه بعد ذلك صار عجلا مقدسا، وهو ما يبدو لي تخطيطا إخوانيا صرفا نتج عن اختراق الإخوان لمستويات عليا في اتخاذ القرار. لكن لا داعي لهذا الآن فهو أمر لم يمس شرعية هذا النظام في رأيي.
وبرغم رفضي للمقاطعة اعتقادا، لكني كنت عازفا عن المشاركة زهقا ومللا.
ليه؟ لأني تعبت.
كاتب هذه السطور قضى ثلاثة عشر عاما من عمره مع من عاشوا على حافة الخطر من أجل هذا البلد، وصدحوا بكلمة الحق في الجامعة والشارع والميدان، وعرضوا أدق تفاصيل حياتهم للخطر البالغ أيام ما كانت كلمة الحق لها ثمنها.
وبعد كل ذلك قالت مصر لمن قتلهم: جدع يا باشا.
ومع ذلك، أو بالرغم من ذلك، قررت حمل بطاقتي لمرة أخرى وأخيرة لأضعها في صندوق انتخابي، حتى لا يشد الفقراء أحزمة التقشف ليلبس الأغنياء "رُوبات" التنعم. وحتى لا يعود الإخوان إلى حالة السبات التزاوجي التي يعودون فيها أقوى دائما، أو يعودون في صورة سلفيين يغتصبون الأغلبية في مجلس الشعب، وحتى لا تستقر اتفاقية رهن سيناء في وجدان أصحاب الأرض المرهونة.
ولأني لا أثق في السيسي لمترين قدام، ولا أرى صباحي صالحا لمرحلة تجميد الدولة السائلة، اخترت الرجوع إلى نصيحة قديمة قيلت لي قبل أربع سنوات ولازلت أذكرها للآن.. "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش"
ولما كان اللي اعرفه هنا هو صباحي الذي عرفته أستاذا ومناضلا وشريفا طاهر اليد على مدى سبع سنوات قائدا حزبيا وصحفيا وزميل شارع وسلم نقابة..
لهذا سأعطي صوتي لحمدين صباحي.
سيفوز السيسي غالبا، أعرف ذلك، وسيتنفخ الفقراء في عهده، وسيسيطر السلفيون على مجلس النواب/الشعب، وستسمع بعد أول 3 شهور من حكمه أحلى خطاب تحية لصديقه الوفي -برضه- بيريز ساكن الأرض المغتصبة، وسيطلب الصديق الوفي فاتورة السماح لنا باستخدام حق السيادة على أراضينا لمطاردة الإرهاب.
لكن دعونا نعمل اللي علينا، واهو الشعب خلاص كبر، ويتحمل بقه مسؤولية قراراته، بدلا من أن يبحث عن عيال عبط تموت بدلا منه في معاركه.
صوتي لحمدين، وربنا يستر بعدين.
null