سألبس حذاء عمي..!
تلك الجملة البسيطة التي اطلقها ذلك الطفل الصغير.. رأيته في الجزيرة هذا الصباح بعد يوم حافل ظلت البشرية بأكملها تقريبا فيه تتداول أبجدية الحذاء..!
المشهد كالآتي..
“ستاتيوهات” متعاقبة في الفيس بوك تتحدث عن حذاء ما ورئيس ما وبعدها بقليل ذكرت “منتظر” ما..! لم أعرف بالطبع ما يحدث لانهماكي بالبحث عن شيء أكتبه بمعزل عن أية فضائيات أو شرائط أخبار..
بعدها بقليل رأيت الفيديو-المقدمة الهادئة- الحذاء-الانحناءة الرائعة (بالنسبة لسنه رائعة حقا)- ارتطام الحذاء بالعلم ثم بالأرض وصوته الذي ينم عن وزن ثقيل 2 أو 3 كيلو مثلا-الصيحة-الفردة الأخرى-صوت”العجن” الذي يشعرك ان الرجل يفترس حيا في خلفية المشهد…
سألبس حذاء عمي.. قالها الولد بعد زغروطة دامعة اطلقتها جدته ام منتظر.. وفوجئت بعد ذلك أن أبو الليل قد كسر عزلته ليعود الى كيبورده الحبيب بعد الثلاثين ثانية التي فجرت إلهامه وإلهام الكثيرين..! وكانت هذه مشكلة بلا ريب.. فقد أحصيت للآن أكثر من عشرة قصائد تتحدث جميعا عن الحذاء المنتظر أو حذاء منتظر أو المنتظر وحذائه.. وكلها -القصائد- أقرب إلى صفة الحذاء الذي تمتدحه من صفة الشعر..
لكن ليس عن هذا اتحدث..
انا احاول الغوص هنا في وجدان الرجل وابن اخيه معا.. الطفل الذي رأى حذاء عمه أكثر أهمية من قلمه.. لم يقل “سأمسك قلم عمي” أو سأكون صحفيا مثله أو أي شيء اخر..بل “سألبس حذاء عمي”..!
سألبس حذاء عمي.. ادخل معي ذلك التيار الزمني: عمر المختار مشنوقا في ذلك الميدان الواسع مصحوبا بالزغاريد الدامعة -ستسمع بينهم زغرودة أم منتظر- ثم ينحني ابن الشهيد أو حفيد الشهيد أو الشهيد المنتظر ليمسك بنظارته.. استدعي صوت منتظر وهو يهضم حيا – لازلت مصرا على أن صوت الضرب الذي سمعناه جميعا أقرب إلى الهضم أو البلع أو الافتراس منه الى بضع بودي جاردات يضربون شخصا ما..!- ثم ابن اخيه وهو ينظر للأرض فيرى قلم عمه وحذاءه ونظارة عمر المختار..! فيبتسم حاسما اختياره: سألبس حذاء عمي..!
من وعي الطفل إلى وعي عمه.. صحفي أنت..! ماذا تحمل..؟ قلما..؟ وماذا فعلت بقلمك..؟ بقلم لا يختلف كثيرا عن الذي تحمله قتل مئات الآلاف من شعبك.. وها أنت ترى صاحب القلم يقف مبتسما نفس الابتسامة الطفولية المقيتة.. وبجواره صاحب القلم الآخر الذي لا يكتب إلا ما يملى عليه..
تكلما أيها الوغدان.. تكلما وافرغا ما في جوفيكما لأجمعه وأرسله الى رؤسائي..! يا للسخرية..! القلم..؟ الكلمة..؟ الكاميرا..؟ تلك الأدوات المنفعلة لا تجدي شيئا.. لا تقتل ولا تردع قاتلا.. وأنا بحاجة إلى أداة فاعلة.. لا تتفرج وتسجل وتصف بل يسجل لها ويتفرج عليها وتوصف..! لكنهم فتشوني حتى وصلوا تقريبا إلى داخل مخي على مقربة من أفكاري..! ليس لدي سوى قطعة الكاوتشوك التي رغم تشددهم في حراسة إلههم البلاستيكي هذا نسوا ان ينزعوها عني كما يليق بمقابلة إله.. وحسنا فعلوا.. فمثل هذا يضربونه بالأحذية ولا يخلعونها ان دخلوا لمقابلته..!
هل ينسحب القلم من مشهدنا الواقعي فتتحول الكتابة والتصوير وغيرها من وسائل التسجيل والوصف إلى فعل بوهيمي رومانسي منعزل عن الواقع الحقيقي المنحصر في مسافة بين حذاء ورأس..؟
هي لحظة عشتها كثيرا كما عاشها كل صحفي.. ان تفقد ايمانك بما تكتب وما تكتب عنه وما تكتب به ومن تكتب لهم..! لكن منتظر تجاوز ذلك الجزء إلى ما بعده.. الإحساس ان الحل في شيء تمسكه بيدك وليس فكرة أو قلما أو كاميرا..!
هل هناك ما نفعله لكي يعود القلم رصاصة والكاميرا بندقية..؟
أم أن السيف قد سبق العذل.. والنعل أصدق أنباءً من الكتب..؟!
هل هناك ما يمكن فعله أم أن الموضوع قد خرج بالفعل من أيدينا وصار في أحذيتنا..؟!!
وهل هناك مستقبل للعرب الذين صاروا كالقلم والكاميرا اسلوبا منقرضا للحياة وأدوات منفعلة لا فاعلة..؟
تلك الجملة البسيطة التي اطلقها ذلك الطفل الصغير.. رأيته في الجزيرة هذا الصباح بعد يوم حافل ظلت البشرية بأكملها تقريبا فيه تتداول أبجدية الحذاء..!
المشهد كالآتي..
“ستاتيوهات” متعاقبة في الفيس بوك تتحدث عن حذاء ما ورئيس ما وبعدها بقليل ذكرت “منتظر” ما..! لم أعرف بالطبع ما يحدث لانهماكي بالبحث عن شيء أكتبه بمعزل عن أية فضائيات أو شرائط أخبار..
بعدها بقليل رأيت الفيديو-المقدمة الهادئة- الحذاء-الانحناءة الرائعة (بالنسبة لسنه رائعة حقا)- ارتطام الحذاء بالعلم ثم بالأرض وصوته الذي ينم عن وزن ثقيل 2 أو 3 كيلو مثلا-الصيحة-الفردة الأخرى-صوت”العجن” الذي يشعرك ان الرجل يفترس حيا في خلفية المشهد…
سألبس حذاء عمي.. قالها الولد بعد زغروطة دامعة اطلقتها جدته ام منتظر.. وفوجئت بعد ذلك أن أبو الليل قد كسر عزلته ليعود الى كيبورده الحبيب بعد الثلاثين ثانية التي فجرت إلهامه وإلهام الكثيرين..! وكانت هذه مشكلة بلا ريب.. فقد أحصيت للآن أكثر من عشرة قصائد تتحدث جميعا عن الحذاء المنتظر أو حذاء منتظر أو المنتظر وحذائه.. وكلها -القصائد- أقرب إلى صفة الحذاء الذي تمتدحه من صفة الشعر..
لكن ليس عن هذا اتحدث..
انا احاول الغوص هنا في وجدان الرجل وابن اخيه معا.. الطفل الذي رأى حذاء عمه أكثر أهمية من قلمه.. لم يقل “سأمسك قلم عمي” أو سأكون صحفيا مثله أو أي شيء اخر..بل “سألبس حذاء عمي”..!
سألبس حذاء عمي.. ادخل معي ذلك التيار الزمني: عمر المختار مشنوقا في ذلك الميدان الواسع مصحوبا بالزغاريد الدامعة -ستسمع بينهم زغرودة أم منتظر- ثم ينحني ابن الشهيد أو حفيد الشهيد أو الشهيد المنتظر ليمسك بنظارته.. استدعي صوت منتظر وهو يهضم حيا – لازلت مصرا على أن صوت الضرب الذي سمعناه جميعا أقرب إلى الهضم أو البلع أو الافتراس منه الى بضع بودي جاردات يضربون شخصا ما..!- ثم ابن اخيه وهو ينظر للأرض فيرى قلم عمه وحذاءه ونظارة عمر المختار..! فيبتسم حاسما اختياره: سألبس حذاء عمي..!
من وعي الطفل إلى وعي عمه.. صحفي أنت..! ماذا تحمل..؟ قلما..؟ وماذا فعلت بقلمك..؟ بقلم لا يختلف كثيرا عن الذي تحمله قتل مئات الآلاف من شعبك.. وها أنت ترى صاحب القلم يقف مبتسما نفس الابتسامة الطفولية المقيتة.. وبجواره صاحب القلم الآخر الذي لا يكتب إلا ما يملى عليه..
تكلما أيها الوغدان.. تكلما وافرغا ما في جوفيكما لأجمعه وأرسله الى رؤسائي..! يا للسخرية..! القلم..؟ الكلمة..؟ الكاميرا..؟ تلك الأدوات المنفعلة لا تجدي شيئا.. لا تقتل ولا تردع قاتلا.. وأنا بحاجة إلى أداة فاعلة.. لا تتفرج وتسجل وتصف بل يسجل لها ويتفرج عليها وتوصف..! لكنهم فتشوني حتى وصلوا تقريبا إلى داخل مخي على مقربة من أفكاري..! ليس لدي سوى قطعة الكاوتشوك التي رغم تشددهم في حراسة إلههم البلاستيكي هذا نسوا ان ينزعوها عني كما يليق بمقابلة إله.. وحسنا فعلوا.. فمثل هذا يضربونه بالأحذية ولا يخلعونها ان دخلوا لمقابلته..!
هل ينسحب القلم من مشهدنا الواقعي فتتحول الكتابة والتصوير وغيرها من وسائل التسجيل والوصف إلى فعل بوهيمي رومانسي منعزل عن الواقع الحقيقي المنحصر في مسافة بين حذاء ورأس..؟
هي لحظة عشتها كثيرا كما عاشها كل صحفي.. ان تفقد ايمانك بما تكتب وما تكتب عنه وما تكتب به ومن تكتب لهم..! لكن منتظر تجاوز ذلك الجزء إلى ما بعده.. الإحساس ان الحل في شيء تمسكه بيدك وليس فكرة أو قلما أو كاميرا..!
هل هناك ما نفعله لكي يعود القلم رصاصة والكاميرا بندقية..؟
أم أن السيف قد سبق العذل.. والنعل أصدق أنباءً من الكتب..؟!
هل هناك ما يمكن فعله أم أن الموضوع قد خرج بالفعل من أيدينا وصار في أحذيتنا..؟!!
وهل هناك مستقبل للعرب الذين صاروا كالقلم والكاميرا اسلوبا منقرضا للحياة وأدوات منفعلة لا فاعلة..؟
هناك 4 تعليقات:
مش عارف اقولك اية غير انك بجد زى مانا متوقع عنك طول عمرى من اول مرة قابلتك فيها مشروع عبقرى مش موجود منه كتير .
يمكن بتحاول تكون نبى او منتظر بس انت مبتعرفيش تروج لنفسك كتير زى القيادات والانبياء
بس اللى عايز اقولة دلوقتى انى قدام افضل تحليل وتشبية قريتة للموضوع ده من حاولى يومين كل من يملك كاميرا وكيبوودر وقلم يتكلم ويكتب ومن يملكون ايضا .
ولكن ما اروه حقا رائع وجديد هو الوقوف على ادوات الصحافة البالية ورؤيتك انت ومنتصر لتطويرها وتحديثها او حتى الابقاء على دورها القديم لكى تصبح رصاصة وبندقية .
شكرا الى الصديق الاخير والذى لم يخزالنى بعد
عمرو عبدالله
اول من حلم بلقاء مع بوش لكى ينهال علية بالضرب !!!!!!!!!!!
من أشد ما يحزن أن تشعر إنك بمفردك .. ان تشعر بغربة عن جيلك .. ان تفكر في الخطوة التي تلي لا الخطوة السابقة .. والاقسى حين يقف من كنت تظن انهم على مستوى عالي من الحصافة الفكرية ومن هم اقرب إلى التفكير المنطقي ، ضد فكرة منطقية او وجهة نظر تعتقد انت بالضرورة فيها ولست مجبرا على تفسيرها وتأويلها لتتحول الى سرد وحكاية .
احمد .. ربما اجدني الأقرب فهما لما تقول ، وأجدك الاكثر قربا لما افكر
فتحيتي دائما ..
ميـــــــنا
عمرو
أمثالك يعطون معنى لحياة تبدو بلا معنى..
انت أحد الأدلة على اننا لسه بشر بنحس وبفرح وبنتألم...
بحبك يا صاحبي
مينا
وأجدك الاكثر قربا لما افكر
لكن الجزء الأول من كلامك أشعرني أن الأكثر قربا مازال بعيدا..!
أليس كذلك..؟
إرسال تعليق